الجمعة 9 محرم 1442 هـ

الموافق 28 أغسطس 2020 م

الحمد لله يبدي ويعيد، خلق السماوات والأرض بالحق، يكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل، أحصى على الخلق أعمالهم فهو بكل شيء محيط، وعلى كل شيء شهيد، نحمده سبحانه ونشكره ونسأله من فضله المزيد، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الولي الحميد. ونشهد أنّ سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، دعا إلى الله وهاجر في سبيل الله، وجاهد وصابر حتى أقام الملة، ورفع راية التوحيد، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، أهل الهجرة والنصرة والتأييد، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: ها نحن نعيش أيام شهر الله المحرم، الذي يحمل في طياته العديد من الذكريات الهامة، والتي ينبغي أن يقف معها المؤمنون ويتأملوا في دلالاتها، ليستلهموا منها العبر والدروس والعظات. وذكريات شهر محرم ودلالاته  كثيرة جداً ، نقف في هذا المقام مع أبرزها وأهمها: الوقفة الأولى: مع شهر الله المحرم: وهو شهر عظيم مبارك، أضافه الله له من باب التعظيم والتشريف، وهو أول شهور السنّة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: (إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَـٰبِ ٱللَّه،ِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمٰوٰت وَٱلأرْضَ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) وقال صلى الله عليه وسلم: (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ وهي: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ) وقوله تعالى: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) أي في هذه الأشهر المحرمة لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، قال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: (لا تظلموا أنفسكم في الشهور كلها، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر، فجعلهن حراماً وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم)… ومن فضائل شهر الله المحرم أنه يستحب الإكثار من صيام النافلة فيه، يقول صلى الله عليه وسلم:(أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ) وأفضل أيامه اليوم العاشر، (وهو يوم عاشوراء) فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ففي الصحيحين وغيرهما عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: (مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى شكراً لله تعالى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، ونحن نصومه تعظيماً له، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ).ثم نسخ هذا الوجوب وبقي صيامه على الاستحباب. وقال صلى الله عليه وسلم في فضل صيام عاشوراء: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) وأكمله صيام يوم قبله أو يوم بعده، مخالفة لليهود كما أرشد النبي صلى عليه وسلم إلى ذلك، وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم.

الوقفة الثانية: مع حدث عظيم في شهر الله المحرم، فيه درس بليغ على نصرة أولياء الله، وانتقام الله من أعدائه، مهما تطاولوا وتغطرسوا، إنه حدث قديم لكنه بمغزاه متجدد عبر الأمصار والأعصار، إنه  يوم إنتصار نبي الله وكليمه موسى عليه السلام، وهلاك فرعون الطاغية، وكم في هذه القصة من الدروس والعبر والعظات والفكر، للمستضعفين في الأرض في كل زمان ومكان مهما بلغ كيد الأعداء وأذاهم وظلمهم وتسلطهم، فإن نصر الله قريب، ودرس لكل عدو لله ورسوله، ممن سار على طريق فرعون، أن الله منتقم من كل طاغية وظالم، طال الزمان أو قصر. وقد استخرج أهل العلم رحمهم الله كثيراً من الفوائد من هذه القصة، منها: أن آيات الله وعبره في الأمم السابقة، إنما يستفيد منها ويستنير بها المؤمنون، والله يسوق القصص لأجلهم كما قال تعالى في قصة موسى مع فرعون: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)

ومنها: أن الله سبحانه إذا أراد أمراً هيَّأ أسبابه، ويسر له وسائله، وأن رعايته إذا أحاطت بعبد من عباده صانته من كل أعدائه، مهما بلغ مكر هؤلاء الأعداء وبطشهم. فرعاية الله لموسى عليه السلام جعلته يعيش بين قوى الشر والطغيان آمناً مطمئناً.

ومنها: أن الحق لن يَعْدَم له أنصاراً، حتى ولو كثر عدد المبطلين -المثال هنا مؤمن آل فرعون – وأن سنة الله أن لا يهدي إلى الحق والصواب من كان مسرفاً في أموره، متجاوزاً الحدود التي شرعها الله، ومن كان كذاباً في إخباره عن الله سبحانه.

ومن فوائد القصة: أن سنة الله اقتضت في هذه الحياة أن يجعل نصره وثوابه في النهاية للأخيار من عباده، وأن يجعل خذلانه وعقابه للأشرار. وأن النصر يحتاج إلى تأييد من الله تعالى لعباده، وإلى توكل عليه وحده، وإلى عزيمة صادقة ومباشرة للأسباب توصل إليه. والمثال هنا نجاة موسى عليه السلام ومن معه، وإغراق فرعون ومن تبعه.

ومنها: أن على الدعاة إلى الله والمصلحين أن يعتمدوا في دعوتهم أسلوب اللين والملاطفة، وأن يتجنبوا أسلوب الشدة والغلظة؛ فإن الله سبحانه أمر موسى -وهو من صفوة الله في خلقه وأخاه هارون- ألا يخاطبا فرعون -وهو سيد العتاة والطغاة- إلا بالملاطفة واللين، (فَقُولَا لَهُ قَوْلًاً لَّيِّنًاً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ) ومن الفوائد: أن من عادة الطغاة أن يستخفوا بأتباعهم، ومن عادة الأتباع أن يطيعوا سادتهم وكبراءهم، ويتابعوهم على باطلهم، وما يزينون لهم من الأعمال، (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) وقال (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)

ومنها: أن كثيراً من الناس غافلون عن آيات الله الدالة على وحدانيته، وسادرون عن سنته المقتضية إهلاك كل ظالم جبار، وكل متكبر مختال… ومنها: أن باب التوبة والمغفرة مفتوح لمن رجع عن غيِّه، وعمل عملاً صالحاً يُرضي ربه، وواظب على طاعة خالقه، وداوم على نهج الاستقامة والرشاد.

ومن الفوائد في قصة موسى، ما فيها من الدلالة على رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر بذلك تفصيلاً مطابقاً، وتأصيلاً موافقاً، قصه قصاً، صدق به المرسلين، وأيد به الحق المبين، من غير حضور شيء من تلك الوقائع، ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع، ولا تلاوة درس فيها شيئاً من هذه الأمور، إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم، ووحي أنزله عليه الكريم المنان، لينذر به قوماً جاهلين، وعن النذر والرسل غافلين.. إلى غير ذلك من الفوائد التي ذكرها أهل العلم رحمهم الله.

الوقفة الثالثة: كلما أشرق هلال المحرم في كل عام، تتجدد في دنيا الإسلام، ذكرى من أروع الذكريات وأجلها حدثاً، وأعظمها أثراً في مسيرة الإنسانية، ذكرى حادث لم يعرف التأريخ له نظيراً في تكوين أمة من الأمم، ولا في حياة زعيم من زعماء الدنيا، ذلك الحادث هو هجرة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، تلك الهجرة التي تجلى فيها صدق الإرادة، وكمال البطولة، وقوة الإيمان، وشرف التضحية والفداء، والتي فرقت بين الحق والباطل، وأبانت الخير من الشر، وميزت بين الهدى والضلال، والنور والظلام وأرست دعائم العدالة، وأقامت صروح الفضيلة، فنضرت وجه الأرض، وعدلت مجرى الحياة، وفوق ذلك فإن الهجرة خلقت المسلمين خلقاً جديداً، وبعثت فيهم عزماً شديداً وأيقظت فيهم روح الحماس للدفاع عن دينهم، والذود عن عقيدتهم، وحولت ضعفهم

إلى قوة، وعجزهم إلى مقدرة، وقلتهم إلى كثرة، وذلتهم إلى عزة بعد أن كانوا مستضعفين في الأرض يتخطفهم الناس.

عباد الله: لقد دلت الهجرة على دروس وعبر وعظات نلخصها ونجملها فيما يلي:

أولاً: حفظ الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وتأييده له، ويتجلى ذلك عندما أحاط به المشركون من كل جانب، فجعل الله له من بينهم مخرجاً، وهذا يدل على أن المسلم متى ما حفظ أوامر الله بالامتثال، ونواهيه بالانتهاء، وحدوده بالوقوف عليها وعدم تجاوزها حفظه الله في الدنيا وبعد الممات، وحفظه في دينه وأهله وماله وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما يقول صلى الله عليه وسلم: (أحفظ اللَّهَ يحفَظكَ، أحفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ) واعلموا رحمكم الله أن التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب من عوامل النجاة، فلا ينبغي على المسلمين اليوم أن يتواكلوا وينتظروا خرق النواميس الكونية؛ ليتحقق لهم النصر بل لابد من الاستفادة من جميع الوسائل المتاحة، ومن ثم التوكل واليقين والثقة بالله ليأتي النصر والفرج، وقد دل على ذلك استعداد رسولنا الكريم للهجرة الاستعداد الكامل، والاستعانة بالخبرة ومعرفة الطرق والخروج خفية وتسمع الأخبار ونحوها قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)…

ثانياً: دلت الهجرة النبوية على فضل المسجد ودوره في التربية والتعليم، وتوحيد الكلمة، ورص الصف، ويتجلى ذلك في أن أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد دخوله المدينة المنورة بناء المسجد، ومشاركة الصحابة رضوان الله عليهم في البناء، وقد مدح الله أهل الإيمان أنهم يسبحون الله ويكبرونه فقال: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) فعلينا أن نفعِّل دور المسجد اليوم من خلال الاهتمام بصلاة الجماعة، وتسوية الصفوف والقيام بواجب الدعوة وتفقد أحوال المرضى والفقراء والمساكين والمحتاجين والتأليف بين المتخاصمين والمتباعدين.

ثالثاً: إن الأخوة الإيمانية القائمة على أساس العقيدة الصافية سبب في بناء المجتمع وتحصينه من الآفات والتصدع، ويتجلى ذلك من الهجرة النبوية بعقد الإخاء الذي جمع المهاجرين والأنصار، قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فحري بنا عباد الله أن تتوحد كلمتنا، وتجتمع أمتنا على الحق، وتتوافق الرايات تحت مظلة الإسلام والإيمان، وأن نكون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضاً، ثُمَّ شَبّك بين أَصابعه)

اللهم افتح لنا فتحاً مبيناً، وأهدنا صراطاً مستقيماً، وانصرنا على أعداءك وأعداءنا نصراً عزيزاً، وأتم علينا نعمتك، وأنزل في قلوبنا سكينتك، وانشر علينا فضلك ورحمتك.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والحمد لله على ما قدره بحكمته من دقيق الأمر وجله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: ومع الوقفة السادسة في هذا الشهر: وهي أن من الأحداث المؤلمة المحزنة المفجعة للقلوب، التي وقعت في شهر الله المحرم استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن آله الطيبين الطاهرين، وكان ذلك في يوم الجمعة العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة على أيدي الظالمين من الطغاة البغاة في كربلاء من العراق.

وأبو عبد الله الحسين هو أبو الشهداء، وريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة، وهو الذي قال فيه سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (حُسَيْنٌ منِّي  وأَنا مِن حُسَيْنٍ ، أحبَّ اللَّهُ من أحبَّ حُسَيْناً ، حُسَيْنٌ سبطٌ منَ الأسباطِ) وفي الحديثِ أنَّ رجلًا مِن أهل الكوفة بالعراقِ سأل ابنَ عُمرَ رضي الله عنهما: هل يجوزُ للرَّجلِ إذا كان مُحرِماً أن يقتُلَ الذُّبابَ، أو لا ؟ (وقد بلغ ابن عمر بأن الرجل قد شارك في قتال الحسين)، فقال مُتعجِّباً مُستغرباً مِن حِرصِهم على السُّؤالِ عن الشَّيءِ اليسيرِ، وتفريطِهم في الشَّيءِ الجليل، فقال: سبحان: تسأَلون عن حكم قتل الذُّبابِ، وقد قتَلتم ابنَ ابنةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ ثمّ ذكر أبن عمر قول النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في فضل الحسن والحسين: (هما رَيْحانتايَ مِن الدُّنيا)، وقال: (هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِيَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا، فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا)

عباد الله: إن حب العترة الطاهرة من آل بيت النبوة، والوقوف على ذكرى الحسين وآل البيت رضوان الله تعالى عليهم، يجب أن يكون في التأسي والاقتداء بهم في مقاومة الظلم والحرص على العدل، والدعوة إلى الإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة، والثبات على الحق، ونبذ العنف والشدة والقسوة، التأسي بآل البيت، يجب أن يكون كما كان بين القرابة والصحابة من  التراحم والمحبة والتآخي والتواد والتناصح والتواصل، وحب الخير لجميع  المسلمين والبعد عن الشر والحقد والبغضاء والتعاون على البر والتقوى، والحرص على الوحدة الإسلامية، ووحدة الكلمة والصف والمجتمع والأمة. كذلك يجب على الجميع أن يحافظ على أمن المجتمع وسلامته واستقراره، من كل سوء ومكروه وخطر ووباء، ويحفظ النظام العام، ويلتزم بالقوانين والأعراف، ويتحمل المسؤولية ويحذر من الفوضى، فالجميع في سفينة واحدة، من خرقها  أغرق الجميع. ونحن اليوم كأمة إسلامية واحدة، على اختلاف مذاهبنا وطوائفنا، نواجه أعداءً كثيرين للإسلام والمسلمين، ونواجه خصوماً

عديدين، يتربصون بنا وبوطننا وأمتنا فتكاً، وبمقدراتنا ومقدساتنا سلباً ونهباً، والواجب يقتضي أن نجعل من عاشوراء، مناسبة لوحدة الأمة والوطن وإبعادها عن التوظيف السياسي والحزبي، وتأكيد التلاحم بين أبناء الأمة والوطن الواحد والابتعاد عن إثارة الفتن والمحن، ونجعلها محطة للتخطيط والعمل لمستقبل أكثر إتحاداً وتآلفاً وتعاوناً وتكاتفا وإصلاحاً، من أجل عزة وكرامة ورفعة هذه الأمة، وأوطان المسلمين…

أيها الأخوة:لا يفوتني أن أهنئكم بعودة صلاة الجماعة إلى المساجد، ونسأل الله تعالى أن يرفع البلاء والوباء عن البلاد والعباد، وبهذه المناسبة فإنا  نتقدم بالشكر والتقدير لقيادتنا الرشيدة على رأسها جلالة الملك حمد بن عيسى وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد حفظهم الله، وللقائمين على المجلس الأعلى للصحة، وفريق البحرين الوطني، ووزارة العدل والأوقاف، وللمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على حرصهم واهتمامهم وقرارهم بعودة صلوات الجماعة إلى المساجد بالتدريج مع الأخذ بالأسباب وجميع الاحتياطات والإجراءات الاحترازية اللازمة، والعمل بتوصيات الجهات الطبية المختصة للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين في هذه البلاد المباركة.

نسأل الله تعالى أن يبارك في الجهود، ويسدد الخطى، ويوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.

اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وأهدنا سبل السلام والمحبة والوئام.

اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وحب آل بيته الطيبين الطاهرين وحب أصحابه الغر الميامين واحشرنا معهم تحت لواء سيد الأولين والآخرين وأدخلنا الجنة مع الأبرار مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

اللهم وارضَ عن خلفاء نبيك الراشدين، ذوي المقام العلي، والفخر الجلي، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك و كرمك وإحسانك، ياذا الجلال والإكرام. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا، ووفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، يا رب العالمين. اللهم ادفَع وارفع عنَّا الغلا والوبا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِلَ والمِحَن والفتن، وسيء الأسقام والأمراض والأوبئة، ما ظهرَ منها وما بطَن، عن بلدِنا هذا خاصة وعن سائرِ بلاد المُسلمين عامَّةً يا رب العالمين.. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لنا دِينِنا الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَانا الَّتي فِيهَا معاشِنا، وَأَصْلِحْ لنا آخِرَتنا الَّتي فِيهَا معادِنا، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لنا في كُلِّ خَيْرٍ، والمَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ). اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيدا،ً اللهم ألطف  بهم  وفرج همهم ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم، وصن  أعراضهم، واحقن دماءهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا…

اللهم حرر وأنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم اغفِر لنا ولوالِدِينا، ولِلمُسلمين والمُسلمات والمُؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين